كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



3975 وإنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الهُداةُ به ** كأنَّه عَلَمٌ في رأسِه نارُ

وسُمِع: هذه الجَوارُ، وركبْتُ الجوارَ، وفي الجوارِ، بالإِعراب على الراء تناسيًا للمحذوفِ. وقد تقدَّم هذا في قوله: {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] في الأعراف.
{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}.
قوله: {فَيَظْلَلْنَ}: العامَّةُ على فتحِ اللامِ التي هي عينٌ، وهو القياسُ؛ لأنَّ الماضيَ بكسرِها، تقول: ظَلِلْتُ قائمًا. وقرأ قتادةُ بكَسْرِها، وهو شاذٌ نحو: حَسِب يَحْسِب وأخواتِه وقد تقدَّمَتْ.
وقال الزمخشري: (مِنْ ظَلَّ يَظَلُّ ويَظِلُّ، نحو: ضَلَّ يَضَلُّ ويَضِلُّ). قال الشيخ: وليس كما ذَكر؛ لأنَّ يَضَلُّ بفتح العين مِنْ ضَلِلْتُ بكسرِها في الماضي، ويَضِلُّ بالكسر مِنْ ضَلَلْتُ بالفتحِ وكلاهما مَقيسٌ. يعني أنَّ كلًا منهما له أصلٌ يَرْجِعُ إليه بخلافِ (ظَلَّ) فإنَّ ماضيَه مكسورُ العينِ فقط.
والنون اسمُها، {ورَواكدَ} خبرُها. ويجوزُ أَنْ تكونَ (ظَلَّ) هنا بمعنى صار؛ لأنَّ المعنى ليس على وقتِ الظُّلول وهو النهارُ فقط، وهو نظيرُ: «أين باتَتْ يدُه» من هذه الحيثيَّةِ. والرُّكودُ: الثبوتُ والاستقرار قال:
3976 وقد رَكَدَتْ وسطَ السماء نجومُها ** رُكودًا بوادِي الرَّبْرَبِ المتفرِّقِ

{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}.
قوله: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ}: عطفٌ على {يُسْكِنْ} قال الزمخشري: لأنَّ المعنى: إنْ يَشَأْ يُسْكِن فيركَدْن. أو يَعْصِفْها فيَغْرَقْنَ بعَصْفِها.
قال الشيخ: ولا يَتَعَيَّنُ أَنْ يكونَ التقديرَ: أو يَعْصِفْها فيَغْرَقْنَ؛ لأنَّ إهْلاكَ السفنِ لا يَتَعَيَّنُ أَنْ يكونَ بعَصْفِ الريح، بل قد يُهْلِكُها بقَلْعِ لوحٍ أو خَسْفٍ. قلت: والزمخشريُّ لم يذكُرْ أنَّ ذلك مُتَعَيِّنٌ، وإنما ذَكَرَ شيئًا مناسبًا؛ لأنَّ قوله: {يُسْكِنِ الريحَ} يقابِلُه (يعْصِفْها) فهو في غايةِ الحُسْنِ والطِّباق.
قوله: {ويَعْفُ} العامَّةُ على الجزمِ عطفًا على جزاء الشرط. واستشكلَه القُشَيْرِيُّ قال: لأنَّ المعنَى: إن يَشَأ يُسْكِنِ الريحَ فتبقى تلك السفنُ رواكدَ، أو يُهْلِكْها بذنوبِ أهلها فلا يَحْسنُ عَطْفُ {ويَعْفُ} على هذا؛ لأنَّ المعنى يَصير: إنْ يَشَأْ يَعْفُ، وليس المعنى على ذلك بل المعنى: الإِخبارُ عن العفوِ مِنْ غير شرطِ المشيئةِ، فهو عطفٌ على المجزومِ من حيث اللفظُ لا من حيث المعنى. وقد قرأ قومٌ {ويَعْفُو} بالرفع وهي جيدةٌ في المعنى. قال الشيخ: وما قاله ليس بجيدٍ إذ لم يَفْهَمْ مدلولَ التركيبِ والمعنى، إلاَّ أنَّه تعالى إنْ يَشَأْ أهلك ناسًا وأَنْجَى ناسًا على طريقِ العَفْوِ عنهم.
وقرأ الأعمش {ويَعْفُوْ} بالواو. وهي تحتملُ أَنْ يكونَ كالمجزومِ، وثَبَتَتِ الواوُ في الجزمِ كثبوتِ الياء في {مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} [يوسف: 90]. ويُحتمل أَنْ يكونَ الفعلُ مرفوعًا، أخبر تعالى أنَّه يَعْفو عن كثيرٍ من السيئات. وقرأ بعضُ أهلِ المدينة بالنصب، بإضمارِ (أَنْ) بعد الواوِ كنَصْبِه في قول النابغة:
3977 فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ ** ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرَامُ

ونأخذْ بعدَه بذِنابِ عَيْشٍ ** أجَبَّ الظهرِ ليس له سَنامُ

بنصبِ (ونَأْخُذ) ورفعِه وجَزْمِه. وهذا كما قرئ بالأوجه الثلاثة بعد الفاء في قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} [البقرة: 284] وقد تقدَّم تقريرُه آخرَ البقرةِ، ويكونُ قد عَطَفَ هذا المصدرَ المؤولَ مِنْ (أَنْ) المضمرةِ والفعلِ على مصدرٍ مُتَوَهَّمٍ من الفعلِ قبلَه. تقديرُه: أو يقع إيباقٌ وعَفْوٌ عن كثيرٍ. فقراءة النصبِ كقراءة الجزم في المعنى، إلاَّ أنَّ في هذه عَطْفَ مصدرٍ مؤولٍ على مصدرٍ مُتَوَهَّمٍ، وفي تَيْكَ عطفَ فعلٍ على مثلِه.
{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}.
قوله: {وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ}: قرأ نافعٌ وابنُ عامر برفعِه. والباقون بنصبِه. وقرئ بجزمِه أيضًا. فأمَّا الرفعُ فهو واضحٌ جدًّا، وهو يحتملُ وجهين: الاستئنافَ بجملةٍ فعليةٍ، والاستئنافَ بجملةٍ اسميةٍ، فتُقَدِّرُ قبل الفعل مبتدًا أي: وهو يعلمُ الذين، فالذين على الأول فاعلٌ، وعلى الثاني مفعولٌ. فأمَّا قراءة النصبِ ففيها أوجهٌ، أحدُها: قال الزجَّاج: (على الصَّرْف). قال: (ومعنى الصرفِ صَرْفُ العطف عن اللفظ إلى العطفِ على المعنى). قال: وذلك أنَّه لَمَّا لم يَحْسُنْ عطفُ {ويعلَمْ} مجزومًا على ما قبلَه إذ يكونُ المعنى: إنْ يَشَأْ يَعْلَمْ، عُدِل إلى العطف على مصدرِ الفعلِ الذي قبلَه. ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ بإضمار (أنْ) ليكونَ مع الفعلِ في تأويل اسم.
الثاني: قول الكوفيين أنه منصوبٌ بواوِ الصرف. يَعْنُون أنَّ الواوَ نفسَها هي الناصبةُ لا بإضمارِ (أنْ)، وتقدَّم معنى الصرف.
الثالث: قال الفارسيُّ- ونقله الزمخشري عن الزجاج- إن النصب على إضمار (أنْ)؛ لأنَّ قبلها جزاء تقول: (ما تصنعْ أصنعْ وأكرمَك) وإنْ شئت: وأكرمُك، على وأنا أكرِمُك، وإنْ شئت (وأكرمْك) جزْمًا. قال الزمخشري: وفيه نظرٌ؛ لِما أَوْردَه سيبويه في كتابه قال: واعلَمْ أنَّ النصبَ بالواوِ والفاء في قوله: (إنْ تَأْتِني آتِك وأعطيكَ) ضعيفٌ، وهو نحوٌ مِنْ قوله:
3978......................... ** وأَلْحَقُ بالحجازِ فَأَسْتريحا

فهذا لا يجوزُ، لأنه ليس بحَدِّ الكلامِ ولا وجهِه، إلاَّ أنه في الجزاء صار أقوى قليلًا؛ لأنه ليس بواجبٍ أنَّه يفعلُ، إلاَّ أَنْ يكونَ من الأولِ فِعْلٌ، فلمَّا ضارَعَ الذي لا يُوْجِبُهُ كالاستفهام ونحوِه أجازوا فيه هذا على ضَعْفِه. قال الزمخشري: ولا يجوزُ أَنْ تُحْمَلَ القراءة المستفيضةُ على وجهٍ ليس بحَدِّ الكلامِ ولا وجهِه، ولو كانَتْ من هذا البابِ لَما أَخْلَى سيبويه منها كتابَه، وقد ذَكَرَ نظائرَها مِن الآياتِ المُشْكِلة.
الرابع: أَنْ ينتصِبَ عطفًا على تعليلٍ محذوفٍ تقديرُه: لينتقمَ منهم ويعلمَ الذين، ونحوُه في العطفِ على التعليلِ المحذوفِ غيرُ عزيزٍ في القرآن. ومنه: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ} [مريم: 21] وخَلَق اللَّهُ السماواتِ والأرضَ بالحقِّ، ولِتُجْزَى. قاله الزمخشري. قال الشيخ: ويَبْعُدُ تقديرُه: لِيَنْتَقِمَ منهم؛ لأنه تَرَتَّبَ على الشرطِ إهلاكُ قومٍ ونجاةُ قومٍ فلا يَحْسُنُ لينتَقِمَ منهم. وأمَّا الآيتان فيمكنُ أَنْ تكونَ اللامُ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: ولنجعلَه آيةً للناسِ فَعَلْنا ذلك، ولُتْجزَى كلُّ نفسٍ فَعَلْنا ذلك، وهو- كثيرًا- يُقَدِّرُ هذا الفعل مع هذه اللامِ إذا لم يكنْ فعلٌ يتعلَّقُ به. قلت: بل يَحْسُنُ تقديرُ (لينتقمَ) لأنَّه يعودُ في المعنى على إهلاكِ قومٍ المترتبِ على الشرط.
وأمَّا الجزمُ فقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: كيف يَصِحُّ المعنى على جزم (ويعلَمْ)؟ قلت: كأنه قيل: إنْ يَشَأْ يَجْمَعْ بين ثلاثةِ أمور: إهلاكِ قومٍ، ونجاةِ قومٍ، وتحذيرِ آخرين. وإذا قرئ بالجزم فتُكْسَرُ الميمُ لالتقاء الساكنين.
قوله: {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} في محلِّ نصبٍ لسَدِّها مَسَدَّ مفعولَيْ العِلْم.
{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}.
قوله: {فَمَا أُوتِيتُمْ}: (ما) شرطيةٌ. وهي في محلِّ نصبٍ مفعولًا ثانيًا لـ: (أُوْتِيتم) والأولُ هو ضميرُ المخاطبين قامَ مقامَ الفاعلِ، وإنما قَدَّم الثاني لأنَّ له صَدْرَ الكلامِ.
قوله: (مِنْ شَيء) بيانٌ لـ: (ما) الشرطيةِ لِما فيها من الإِبْهام.
قوله: {فمتاعُ} الفاء جوابُ الشرطِ، و(متاعُ) خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: فهو متاع. قوله: {وَمَا عِندَ الله} (ما) موصولةٌ مبتدأةٌ، و{خيرٌ} خبرها، و{الذين} متعلِّقٌ بـ: {أَبْقَى}.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}.
قوله: {والذين يَجْتَنِبُونَ}: نَسَقٌ على {الذين} الأولى. وقال أبو البقاء: {الذين يَجْتَنبون} في موضعِ جرّ بدلًا مِنْ {للذين آمنوا}. ويجوزُ أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ بإضمار أعني، أو في موضع رفعٍ على تقدير: هم. وهذا وهمٌ منه في التلاوةِ كأنه اعتقد أنَّ القرآن {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ والذين يَجْتَنِبُونَ} فبنى عليه ثلاثةَ الأوجهِ بناء فاسدًا.
قوله: {كبائرَ} قرأ الأخوان هنا وفي النجم {كبيرَ الإِثم} بالإِفراد. والباقون {كبائرَ} بالجمع في السورتَيْن. والمفردُ هنا في معنى الجمع، والرسمُ يحتمل القراءتين.
قوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ} هذه {إذا} منصوبةٌ بـ: {يَغْفِرُون}، و{يَغْفِرُون} خبرٌ لـ: {هم}، والجملةُ بأَسْرِها عطفٌ على الصلة، وهي {يَجْتَنِبون} والتقدير: والذين يَجْتَنِبون وهم يَغْفِرون، عَطَفَ اسميةً على فعليةٍ. ويجوزُ أَنْ يكون {هم} توكيدًا للفاعل في قوله: {غَضِبوا}، وعلى هذا فيَغْفِرون جوابُ الشرطِ. وقال أبو البقاء: {هم} مبتدأٌ ويَغْفِرون الخبرُ، والجملةُ جوابُ إذا. وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه لو كان جوابًا لـ: {إذا} لاقترن بالفاء. تقول: (إذا جاء زيدٌ فعمروٌ منطلق) ولا يجوز: (عمروٌ ينطلق) وقيل: {هم} مرفوع بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره {يَغْفِرون} بعده، ولَمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصلَ الضميرُ ولم يَسْتَبْعِدْه الشيخُ. وقال: ينبغي أَنْ يجوزَ ذلك في مذهبِ سيبويه؛ لأنه أجازَه في الأداةِ الجازمةِ، تقول: (إنْ يَنْطَلِقْ، زيدٌ يَنْطَلِق) تقديرُه: ينطلِقْ زيدٌ ينطلِقْ. فـ: (ينطلقْ) واقعٌ جوابًا، ومع ذلك فَسَّر الفعلَ فكذلك هذا، وأيضًا فذلك جائزٌ في فعلِ الشرطِ بعدَها نحو: {إِذَا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] فليَجُزْ في جوابِها أيضًا.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
قوله: {هُمْ يَنتَصِرُونَ}: كقوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} سواء ويجيْء فيه ما تقدَّم. إلاَّ أنَّه يزيدُ هنا أنه يجوزُ أَنْ يكونَ {هم} توكيدًا للضميرِ المنصوبِ في {أصابَهم} أكَّد بالضميرِ المرفوعِ وليس فيه إلاَّ الفصلُ بين المؤكَّدِ والمؤكِّد بالفاعلِ. والظاهر أنَّه غيرُ ممنوعٍ.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}.
قوله: {وَلَمَنِ انتصر}: هذه لامُ الابتداء. وجعلها الحوفي وابنُ عطيَّة للقسم. وليس بجيدٍ إذا جَعَلْنا (مَنْ) شرطيةً كما سيأتي؛ لأنه كان ينبغي أَنْ يُجابَ السابِقُ، وهنا لم يُجَبْ إلاَّ الشرطُ. و(مَنْ) يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً، وهو الظاهرُ، والفاء في {فأولئك} جواب الشرطِ، وأَنْ تكونَ موصولةً، ودَخَلَتِ الفاء لِما عَرَفْتَ مِنْ شَبَهِ الموصولِ بالشرطِ. و{ظُلْمِه} مصدرٌ مضافٌ للمفعولِ. وأيَّدها الزمخشريُّ بقراءة مَنْ قرأ {بعدما ظُلِمَ} مبنيًا للمفعول.
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.
قوله: {وَلَمَن صَبَرَ}: الكلامُ في اللام بَيِّنٌ كما تقدَّم. فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً فـ: (إنَّ) جوابُ القسمِ المقدَّر، وحُذِفَ جوابُ الشرطِ للدلالةِ عليه. وإنْ كانَتْ موصولةً كان {إنَّ ذلك} هو الخبرُ. وجَوَّز الحوفي وغيرُه أن تكونَ (مَنْ) شرطيةً، وأنَّ ذلك جوابُها على حَذْفِ الفاء على حَدِّ حَذْفِها في البيت المشهور:
3979 مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ

وفي الرابط قولان، أحدُهما: هو اسمُ الإِشارةِ إذا أُريد به المبتدأُ، ويكون حينئذٍ على حَذْفِ مضافٍ، تقديره: إنَّ ذلك لَمِنْ ذوي عَزْمِ الأمور والثاني: أنه ضميرٌ محذوفٌ تقديرُه: لمِنْ عَزْمِ الأمورِ منه، أوله.
وقوله: {ولَمَنْ صَبَرَ} عطفٌ على قوله: {ولَمَنِ انتصَرَ}. والجملةُ مِنْ قوله: {إنما السبيلُ} اعتراضٌ.
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقال الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)}.
قوله: {يُعْرَضُونَ}: حالٌ لأنَّ الرؤيةَ بصريةٌ. {خاشعين} حالٌ. والضميرُ مِنْ عليها يعودُ على النار لدلالةِ {العذاب} عليها. وقرأ طلحةُ {من الذِّل} بكسر الذال. وقد تقدَّم الفرقُ بين الذُّل والذِّل. و{من الذُّل} يتعلَّقُ بـ: {خاشعين} أي: من أَجْل. وقيل: هو متعلقٌ بـ: {يَنْظُرون}.
وقوله: {مِنْ طَرْفٍ} يجوزُ في {مِنْ} أَنْ تكونَ لابتداء الغاية، وأَنْ تكونَ تبعيضيَّةً، وأن تكونَ بمعنى الباء، وبكلٍ قد قيل. والطرفُ قيل: يُراد به العُضْوُ. وقيل: يُراد به المصدرُ. يقال: طُرِفَتْ عَيْنُه تُطْرَفُ طَرْفًا أي: يَنْظُرون نَظَرًا خَفِيًّا.
قوله: {وَقال الذين آمنوا} يجوزُ أَنْ يَبْقَى على حقيقتِه، ويكون {يومَ القيامة} معمولًا لـ: {خَسِروا}. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى: يقول، فيكون {يوم القيامةِ} معمولًا له.
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاء يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)}.
قوله: {يَنصُرُونَهُم}: صفةٌ لـ: {أَوْلِياء} فيجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعِها بالجرِّ اعتبارًا بلفظِ مَوْصوفِها، وبالرفعِ اعتبارًا بمحَلِّه فإنه اسمٌ لـ: {كان}.
قوله: {مِنْ سبيلٍ} إمَّا فاعلٌ، وإمَّا مبتدأٌ.
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}.
قوله: {مِنَ الله}: يجوزُ تعلُّقُه بـ: {يأتي} أي: يأتي من الله يومٌ لا مَرَدَّ له، وأَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه لا مَرَدَّ له أي: لا يَرُدُّ ذلك اليومَ ممَّا حكم اللَّهُ به فيه. وجَوَّز الزمخشري أَنْ يتعلَّقَ بـ: {لا مَرَدَّ}. وردَّه الشيخُ: بأنه يكونُ مُطَوَّلًا فكان ينبغي أَنْ يُعْرَبَ فينصبَ منوَّنًا.
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)}.
قوله: {فَإِنَّ الإنسان}: مِنْ وقوعِ الظاهرِ مَوْقِعَ المضمرِ أي: فإنَّه كفورٌ. وقَدَّر أبو البقاء ضميرًا محذوفًا فقال: (فإنَّ الإِنسانَ منهم).
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}.
قوله: {ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}: حالٌ، وهي حالٌ لازمةٌ، وسَوَّغ مجيْئَها كذلك: أنَّها بعدما يجوزُ أَنْ يكونَ الأمرُ على خلافه؛ لأنَّ معنى {يُزَوِّجُهم} يَقْرِنُهم. قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: لِمَ قَدَّم الإِناثَ أولًا على الذكورِ مع تقديمِهم عليهنَّ، ثم رَجَعَ فقدَّمَهم؟ ولِمَ عَرَّف الذكورَ بعدما نَكَّر الإِناثَ؟ قلت: لأنَّه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى، وكفرانَ الإِنسان بنسيانِه الرحمةَ السابقةَ، ثم عَقَّبَ بذِكْر مُلْكِه ومشيئتِه وذكرَ قسمةَ الأولادِ فقدَّم الإِناثَ؛ لأنَّ سياق الكلامِ أنه فاعلُ ما يشاء لا ما يشاؤه الإِنسانُ، فكان ذِكْرُ الإِناثِ التي مِنْ جملة ما لا يَشاؤه الإِنسانُ أهمَّ، والأهمُّ واجبُ التقديمِ، ولِيَليَ الجنسَ الذي كانت العربُ تَعُدُّه بلاء، ذكر البلاء، وأخَّر الذكورَ، فلمَّا أَخّرهم تدارَك تأخيرَهم وهم أَحِقَّاء بالتقديم بتعريفَهم؛ لأنَّ تعريفَهم فيه تَنْويهٌ وتشهيرٌ، كأنه قال: ويَهَبَ لمَنْ يشاء الفرسانَ الأعلامَ المذكورين الذين لا يَخْفَوْن عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسَيْن حقَّه من التقديمِ والتأخيرِ، وعَرَّفَ أنَّ تقديمَهن لم يكُنْ لتقدُّمِهنَّ ولكنْ لمقتضٍ آخر، فقال: {ذُكْرانًا وإناثًا}، كما قال: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: 13] {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39].